بقدر ما شكلت هذه القناة استثناء في سماء العالم العربي من حيث النبرة المختلفة التي بدأت بها مشوارها في منتصف التسعينات، بقدر ما ستشكل استثناء في عصر السموات المفتوحة عندما يدرك الضمير الشعبي العربي المتعلق ببرامجها أشد التعلق مدى فداحة الخسائر التي سببتها في وعي ولاوعي الشيوخ والشباب عندما زرعت في أفئدتهم الثورة على الوضع القائم ولم تهيئهم لبناء الدول وصياغة البدائل بعد الثورة.. فحالة الفوضى التي تشهدها أغلب البلدان الثائرة على نفسها خير دليل.
إن البناء أصعب وأكثر وطئا من الهدم، فعوض أن تبني هذه القناة وغيرها من أخواتها فكرا وسطيا مستقيما واعيا بالتحديات التي تتعرض لها المنطقة عبر التاريخ، أوغلت في تتفيه كل ماهو موجود وجعلت من الأنظمة القائمة شياطين وجب محاربتها ( ليس كل الأنظمة)، وبشرت بالربيع الديمقراطي فإذا بخريف عاصف خيم على المنطقة في انتظار شتاء التفكك، وعندما ندرك أن مجرد قناة تلفزية خرجت عن المألوف وتحالفت تقنيا مع الجن والشياطين فعلت كل هذا، ندرك مدى هشاشة الوعي في المنطقة ونتذكر أن إذاعة أوروبا الحرة لم تستطع فعل ذلك في أوروبا الشرقية زمن الحرب الباردة.
لم تكن الجزيرة مجرد قناة تلفزية تمولها حكومة قطر فالإمكانيات التقنية التي تمتلكها والنفوذ الذي تحظى به في دوائر صنع القرار العالمي يجعلها أكثر من مجرد قناة فضائية، بل جهاز استخباراتي من نوع خاص كلف بمهمة يجري الآن إنهاؤها.. في انتظار استفاقة سكارى الشعوب العربية على وقع صراع الديكة في برامجها من نومتهم.
في رأيي، تعد قناة الجزيرة ومن بعدها قناة العربية حلقة مهمة في دوائر الغزو الثقافي الناعم فبعد أن فشلت السينما وفشلت معها هوليوود، جاء دور البث المباشر والإثارة الإخبارية، فهذه القنوات تجتهد في الحصول على أجمل المذيعات وأبهاهن، وأوسم المذيعين وأفصحهم، وهي بذلك تخاطب كوامن خاصة في لاوعي المشاهد، ثم تجتهد في التلاعب بالصورة والألوان والكلمات غير محترمة أبسط قواعد التحرير الصحفي الإخباري وهي بذلك تخاطب كوامن أخرى في ذات المتلقي، شعارها الإثارة المتخفية وراء جودة الصوت والصورة، وقد استطاعت بهذه الطريقة القفز على أهم وأقدس مبدأ في الإعلام وهو احترام ذوق المشاهد بعد أن تحولت نشراتها إلى أفلام رعب تنقل مباشرة ما يفعله الإنسان العربي بنفسه من إبادة .. فالقائل والمقتول في النهاية عربي مسلم، وهكذا أصبحت مشاهد القتل والجثث المركومة في الشوارع والدماء التي تسيل مشاهد عادية في شاشاتنا وفي بيوتنا على مرأى أبنائنا الذين ألفوها وتحول القتل لسبب وبدونه موضة يومية نعيشها..
لقد سكتت الجزيرة وأخواتها عن مجازر ما بعد نهاية القدافي في ليبيا وسكتت عن القتلى في السعودية وفي البحرين وانشغلت بالجبهة السورية واليمنية في انتظار فتح جبهات جديدة وهي بذلك تنفذ أجندة مسبقة ومعدة بعناية لتجسد دور حصان طروادة كما ينبغي فعاثت فسادا في المجتمع العربي بإشعاله من المحيط إلى الخليج دون أن تصيغ بدائل ما تدعو لهدمه وتلك هي الحالقة.
أ. يوسف بن يزة كاتب صحفي جزائري
إن البناء أصعب وأكثر وطئا من الهدم، فعوض أن تبني هذه القناة وغيرها من أخواتها فكرا وسطيا مستقيما واعيا بالتحديات التي تتعرض لها المنطقة عبر التاريخ، أوغلت في تتفيه كل ماهو موجود وجعلت من الأنظمة القائمة شياطين وجب محاربتها ( ليس كل الأنظمة)، وبشرت بالربيع الديمقراطي فإذا بخريف عاصف خيم على المنطقة في انتظار شتاء التفكك، وعندما ندرك أن مجرد قناة تلفزية خرجت عن المألوف وتحالفت تقنيا مع الجن والشياطين فعلت كل هذا، ندرك مدى هشاشة الوعي في المنطقة ونتذكر أن إذاعة أوروبا الحرة لم تستطع فعل ذلك في أوروبا الشرقية زمن الحرب الباردة.
لم تكن الجزيرة مجرد قناة تلفزية تمولها حكومة قطر فالإمكانيات التقنية التي تمتلكها والنفوذ الذي تحظى به في دوائر صنع القرار العالمي يجعلها أكثر من مجرد قناة فضائية، بل جهاز استخباراتي من نوع خاص كلف بمهمة يجري الآن إنهاؤها.. في انتظار استفاقة سكارى الشعوب العربية على وقع صراع الديكة في برامجها من نومتهم.
في رأيي، تعد قناة الجزيرة ومن بعدها قناة العربية حلقة مهمة في دوائر الغزو الثقافي الناعم فبعد أن فشلت السينما وفشلت معها هوليوود، جاء دور البث المباشر والإثارة الإخبارية، فهذه القنوات تجتهد في الحصول على أجمل المذيعات وأبهاهن، وأوسم المذيعين وأفصحهم، وهي بذلك تخاطب كوامن خاصة في لاوعي المشاهد، ثم تجتهد في التلاعب بالصورة والألوان والكلمات غير محترمة أبسط قواعد التحرير الصحفي الإخباري وهي بذلك تخاطب كوامن أخرى في ذات المتلقي، شعارها الإثارة المتخفية وراء جودة الصوت والصورة، وقد استطاعت بهذه الطريقة القفز على أهم وأقدس مبدأ في الإعلام وهو احترام ذوق المشاهد بعد أن تحولت نشراتها إلى أفلام رعب تنقل مباشرة ما يفعله الإنسان العربي بنفسه من إبادة .. فالقائل والمقتول في النهاية عربي مسلم، وهكذا أصبحت مشاهد القتل والجثث المركومة في الشوارع والدماء التي تسيل مشاهد عادية في شاشاتنا وفي بيوتنا على مرأى أبنائنا الذين ألفوها وتحول القتل لسبب وبدونه موضة يومية نعيشها..
لقد سكتت الجزيرة وأخواتها عن مجازر ما بعد نهاية القدافي في ليبيا وسكتت عن القتلى في السعودية وفي البحرين وانشغلت بالجبهة السورية واليمنية في انتظار فتح جبهات جديدة وهي بذلك تنفذ أجندة مسبقة ومعدة بعناية لتجسد دور حصان طروادة كما ينبغي فعاثت فسادا في المجتمع العربي بإشعاله من المحيط إلى الخليج دون أن تصيغ بدائل ما تدعو لهدمه وتلك هي الحالقة.
أ. يوسف بن يزة كاتب صحفي جزائري
0 التعليقات:
إرسال تعليق